( كِتَابُ الرَّضَاعِ ) . لَمَّا كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْ النِّكَاحِ الْوَلَدَ أَيْ غَالِبًا وَهُوَ لَا يَعِيشُ غَالِبًا فِي ابْتِدَاءِ إنْشَائِهِ إلَّا بِالرَّضَاعِ وَكَانَ لَهُ أَحْكَامٌ تَتَعَلَّقُ بِهِ وَهِيَ مِنْ آثَارِ النِّكَاحِ الْمُتَأَخِّرَةِ بِمُدَّةٍ وَجَبَ تَأْخِيرُهُ إلَى آخِرِ أَحْكَامِهِ وَذَكَرَ فِي الْمُحَرَّمَاتِ مَا تَتَعَلَّقُ الْمَحْرَمِيَّةُ بِهِ إجْمَالًا وَذَكَرَ هُنَا التَّفَاصِيلَ الْكَثِيرَةَ ثُمَّ قِيلَ كِتَابُ الرَّضَاعِ لَيْسَ مِنْ تَصْنِيفِ مُحَمَّدٍ إنَّمَا عَمِلَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ وَنَسَبَهُ إلَيْهِ لِيُرَوِّجَهُ وَلِذَا لَمْ يَذْكُرْهُ الْحَاكِمُ أَبُو الْفَضْلِ فِي مُخْتَصَرِهِ الْمُسَمَّى بِالْكَافِي مَعَ الْتِزَامِهِ إيرَادَ كَلَامِ مُحَمَّدٍ فِي جَمِيعِ كُتُبِهِ مَحْذُوفَةَ التَّعَالِيلِ وَعَامَّتُهُمْ عَلَى أَنَّهُ مِنْ أَوَائِلِ مُصَنَّفَاتِهِ وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهُ الْحَاكِمُ اكْتِفَاءً بِمَا أَوْرَدَهُ مِنْ ذَلِكَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ وَهُوَ فِي اللُّغَةِ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَفَتْحِهَا مَصُّ الثَّدْيِ مُطْلَقًا ، وَفِي الْمِصْبَاحِ رَضِعَ الصَّبِيُّ رَضَعًا مِنْ بَابِ تَعِبَ فِي لُغَةِ نَجْدٍ وَرَضَعَ رَضْعًا مِنْ بَابِ ضَرَبَ لُغَةٌ لِأَهْلِ تِهَامَةَ وَأَهْلُ مَكَّةَ يَتَكَلَّمُونَ بِهَا وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ أَصْلُ الْمَصْدَرِ مِنْ هَذِهِ اللُّغَةِ بِكَسْرِ الضَّادِ وَإِنَّمَا السُّكُونُ تَخْفِيفٌ مِثْلُ الْحَلِفِ ، وَالْحَلْفِ وَرَضَعَ يَرْضَعُ بِفَتْحَتَيْنِ لُغَةٌ ثَالِثَةٌ رَضَاعًا وَرَضَاعَةً بِفَتْحِ الرَّاءِ وَأَرْضَعْته أُمُّهُ فَارْتَضَعَ فَهِيَ مُرْضِعٌ وَمُرْضِعَةٌ أَيْضًا وَقَالَ الْفَرَّاءُ وَجَمَاعَةٌ إنْ قُصِدَ حَقِيقَةُ الْوَصْفِ بِالْإِرْضَاعِ فَمُرْضِعٌ بِغَيْرِ هَاءٍ ، وَإِنْ قُصِدَ مَجَازُ الْوَصْفِ بِمَعْنَى أَنَّهَا مَحَلُّ الْإِرْضَاعِ فِيمَا كَانَ أَوْ سَيَكُونُ فَبِالْهَاءِ وَعَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى { يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ } وَنِسَاءٌ مَرَاضِعُ وَمَرَاضِيعُ وَرَاضَعَتْهُ مُرَاضَعَةً وَرِضَاعًا بِالْكَسْرِ وَهُوَ رَضَعِيٌّ بِالْكَسْرِ وَرَضِيعِيٌّ ا هـ . وَذَكَرَ فِي الْقَامُوسِ أَنَّ رَضِعَ مِنْ بَابِ سَمِعَ وَضَرَبَ وَكَرُمَ فَأَفَادَ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي الضَّادِ الْحَرَكَاتُ الثَّلَاثُ كَمَا يَجُوزُ فِي الضَّادِ مِنْ مَصْدَرِهِ الْفَتْحُ ، وَالْكَسْرُ ، وَالسُّكُونُ وَكَمَا يَجُوزُ فِي الرَّضَاعِ الْفَتْحُ ، وَالْكَسْرُ ، وَالضَّمُّ لَكِنْ الضَّمُّ بِمَعْنَى أَنْ يَرْضَعَ مَعَهُ آخَرُ كَالْمُرَاضَعَةِ وَتَمَامُهُ فِيهِ وَأَمَّا فِي الشَّرِيعَةِ فَمَا أَفَادَهُ ( قَوْلُهُ : هُوَ مَصُّ الرَّضِيعِ مِنْ ثَدْيِ الْآدَمِيَّةِ فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ ) أَيْ وُصُولُ اللَّبَنِ مِنْ ثَدْيِ الْمَرْأَةِ إلَى جَوْفِ الصَّغِيرِ مِنْ فَمِهِ أَوْ أَنْفِهِ فِي مُدَّةِ الرَّضَاعِ الْآتِيَةِ فَشَمِلَ مَا إذَا حَلَبَتْ لَبَنَهَا فِي قَارُورَةٍ فَإِنَّ الْحُرْمَةَ تَثْبُتُ بِإِيجَارِ هَذَا اللَّبَنِ صَبِيًّا ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الْمَصُّ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِلْوُصُولِ فَأَطْلَقَ السَّبَبَ وَأَرَادَ الْمُسَبَّبَ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَصِّ ، وَالصَّبِّ ، وَالسَّعُوطِ ، وَالْوَجُورِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَخَرَجَ بِالْآدَمِيَّةِ الرَّجُلُ ، وَالْبَهِيمَةُ وَأَطْلَقَهَا فَشَمِلَ الْبِكْرَ ، وَالثَّيِّبَ ، وَالْحَيَّةَ ، وَالْمَيِّتَةَ وَقَيَّدْنَا بِالْفَمِ ، وَالْأَنْفِ لِيَخْرُجَ مَا إذَا وَصَلَ بِالْإِقْطَارِ فِي الْأُذُنِ ، وَالْإِحْلِيلِ ، وَالْجَائِفَةِ ، وَالْآمَّةِ وَبِالْحُقْنَةِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَسَيَأْتِي وَخَرَجَ بِالْوُصُولِ لَوْ أَدْخَلَتْ امْرَأَةٌ حَلَمَةَ ثَدْيِهَا فِي فَمِ رَضِيعٍ وَلَا يَدْرِي أَدَخَلَ اللَّبَنُ فِي حَلْقِهِ أَمْ لَا لَا يُحَرِّمُ النِّكَاحَ لِأَنَّ فِي الْمَانِعِ شَكًّا كَذَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَفِي الْقُنْيَةِ : امْرَأَةٌ كَانَتْ تُعْطِي ثَدْيَهَا صَبِيَّةً وَاشْتَهَرَ ذَلِكَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ تَقُولُ لَمْ يَكُنْ فِي ثَدْيِي لَبَنٌ حِينَ أَلْقَمْتهَا ثَدْيَيْنِ وَلَا يُعْلَمُ ذَلِكَ الْأَمْرُ إلَّا مِنْ جِهَتِهَا جَازَ لِابْنِهَا أَنْ يَتَزَوَّجَ بِهَذِهِ الصَّبِيَّةِ ا هـ . وَفِي الْخَانِيَّةِ صَبِيَّةٌ أَرْضَعَهَا قَوْمٌ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ قَرْيَةٍ أَقَلُّهُمْ أَوْ أَكْثَرُهُمْ وَلَا يَدْرِي مَنْ أَرْضَعَهَا وَأَرَادَ وَاحِدٌ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ الْقَرْيَةِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الصَّفَّارُ إذَا لَمْ يَظْهَرْ لَهُ عَلَامَةٌ وَلَا يَشْهَدْ لَهُ بِذَلِكَ يَجُوزُ نِكَاحُهَا ا هـ وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ : وَالْوَاجِبُ عَلَى النِّسَاءِ أَنْ لَا يُرْضِعْنَ كُلَّ صَبِيٍّ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ فَإِذَا فَعَلْنَ فَلْيَحْفَظْنَ أَوْ لِيَكْتُبْنَ ا هـ . وَفِي الْخَانِيَّةِ مِنْ الْحَظْرِ ، وَالْإِبَاحَةِ امْرَأَةٌ تُرْضِعُ صَبِيًّا مِنْ غَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا يُكْرَهُ لَهَا ذَلِكَ إلَّا إذَا خَافَتْ هَلَاكَ الرَّضِيعِ فَحِينَئِذٍ لَا بَأْسَ بِهِ ا هـ . وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا عَلَيْهَا عِنْدَ خَوْفِ الْهَلَاكِ إحْيَاءً لِلنَّفْسِ ، وَفِي الْمُحِيطِ : وَلَا يَنْبَغِي لِلرَّجُلِ أَنْ يُدْخِلَ وَلَدَهُ إلَى الْحَمْقَاءِ لِتُرْضِعَهُ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { نَهَى عَنْ لَبَنِ الْحَمْقَاءِ } ، وَقَالَ : { اللَّبَنُ يُعْدِي } وَإِنَّمَا نَهَى لِأَنَّ الدَّفْعَ إلَى الْحَمْقَاءِ يُعَرِّضُ وَلَدَهُ لِلْهَلَاكِ بِسَبَبِ قِلَّةِ حِفْظِهَا لَهُ وَتَعَهُّدِهَا أَوْ لِسُوءِ الْأَدَبِ فَإِنَّهَا لَا تُحْسِنُ تَأْدِيبَهُ فَيَنْشَأُ الْوَلَدُ سَيِّئَ الْأَدَبِ وَقَوْلُهُ : { اللَّبَنُ يُعْدِي } يُحْتَمَلُ أَنَّ الْحَمْقَاءَ لَا تَحْتَمِي مِنْ الْأَشْيَاءِ الضَّارَّةِ لِلْوَلَدِ فَيُؤَثِّرُ فِي لَبَنِهَا فَيَضُرُّ بِالصَّبِيِّ وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا تَقُولُهُ الْأَطِبَّاءُ فَإِنَّهُمْ يَأْمُرُونَ الْمُرْضِعَةَ بِالِاحْتِمَاءِ عَنْ أَشْيَاءَ تُورِثُ بِالصَّبِيِّ عِلَّةً وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ إنَّمَا نَهَى عَنْ ذَلِكَ حَتَّى إذَا اتَّفَقَ اتِّفَاقٌ لَا يُضَافُ إلَى الْعَدْوَى كَمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا تُسَافِرُوا ، وَالْقَمَرُ فِي الْعَقْرَبِ فَهَذَا إنْ صَحَّ عَنْهُ فَإِنَّمَا نَهْي عَنْهُ لِئَلَّا يَتَّفِقَ اتِّفَاقٌ فَيُنْسَبَ إلَى كَوْنِ الْقَمَرِ فِي الْعَقْرَبِ فَيَكُونُ إيمَانًا بِالنُّجُومِ وَتَكْذِيبًا لِلْأَخْبَارِ الْمَرْوِيَّةِ فِي النَّهْيِ فِي هَذَا الْبَابِ ا هـ . وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ ظَهَرَ أَنَّ تَعْرِيفَ الْمُصَنِّفِ مُنْتَقِضٌ طَرْدًا وَعَكْسًا لَوْ بَقِيَ عَلَى ظَاهِرِهِ فَإِنَّهُ يُوجَدُ الْمَصُّ وَلَا رَضَاعَ إنْ لَمْ يَصِلْ إلَى الْجَوْفِ وَيَنْتَفِي الْمَصُّ فِي الْوَجُورِ ، وَالسَّعُوطِ وَلَمْ يَنْتِفْ الرَّضَاعُ ، وَالثَّدْيُ مُذَكَّرٌ كَمَا فِي الْمُغْرِبِ ، وَفِي الْمِصْبَاحِ الثَّدْيُ لِلْمَرْأَةِ ، وَقَدْ يُقَالُ فِي الرَّجُلِ أَيْضًا قَالَهُ ابْنُ السِّكِّيتِ وَيُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ فَيُقَالُ هُوَ الثَّدْيُ وَهِيَ الثَّدْيُ ، وَالْجَمْعُ أَثْدٍ وَثُدِيٌّ وَأَصْلُهَا أَفْعَلُ وَفُعُولُ مِثْلُ أَفْلُسَ وَفُلُوسٍ وَرُبَّمَا جُمِعَ عَلَى ثِدَاءٍ مِثْلُ سَهْمٍ وَسِهَامٍ . ا هـ .
شرح: 1
( كِتَابُ الرَّضَاعِ ) . ( قَوْلُهُ : وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ ) أَيْ ذَكَرَ الْمَصَّ ( قَوْلُهُ : لَوْ بَقِيَ عَلَى ظَاهِرِهِ ) أَمَّا عَلَى تَأْوِيلِهِ بِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَصِّ الْوُصُولُ إلَى الْجَوْفِ مِنْ الْمَنْفَذَيْنِ مِنْ إطْلَاقِ السَّبَبِ وَإِرَادَةِ الْمُسَبَّبِ فَلَا نَقْضَ لَكِنْ قَالَ فِي النَّهْرِ : لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَا نُسَلِّمُ وُجُودَ مَصِّ اللَّبَنِ فِيمَا إذَا لَمْ يُعْلَمْ أَوَصَلَ أَمْ لَا لِلتَّلَازُمِ الْعَادِيِّ بَيْنَ الْمَصِّ ، وَالْوُصُولِ لُغَةً قَالَ فِي الْقَامُوسِ مَصِصْتُهُ بِالْكَسْرِ وَمَصَصْته كَخَصَصْتُهُ أَخُصُّهُ شَرِبْته شُرْبًا رَفِيقًا كَامْتَصَصْتُهُ ا هـ . وَكَيْفَ يَصِحُّ مَا ادَّعَاهُ مَعَ قَوْلِهِ مِنْ ثَدْيِ الْآدَمِيَّةِ وَأَمَّا الْوَجُورُ ، وَالسَّعُوطُ فَمُلْحَقَانِ بِالْمَصِّ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ خَصَّهُ جَرْيًا عَلَى الْغَالِبِ .