( بَابُ الْخُلْعِ ) . لَمَّا اشْتَرَكَ مَعَ الْإِيلَاءِ فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا قَدْ يَكُونُ مَعْصِيَةً ، وَقَدْ يَكُونُ مُبَاحًا ، وَزَادَ الْخُلْعَ عَلَيْهِ بِتَسْمِيَةِ الْمَالِ أُخِّرَ عَنْهُ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُرَكَّبِ مِنْ الْمُفْرَدِ ، وَقُدِّمَا عَلَى الظِّهَارِ وَاللِّعَانِ لِأَنَّهُمَا لَا يَنْفَكَّانِ عَنْ الْمَعْصِيَةِ ، وَهُوَ لُغَةً النَّزْعُ يُقَالُ خَلَعْت النَّعْلَ ، وَغَيْرَهُ خَلْعًا نَزَعْته ، وَخَالَعَتْ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا مُخَالَعَةً إذَا افْتَدَتْ مِنْهُ وَطَلَّقَهَا عَلَى الْفِدْيَةِ فَخَلَعَهَا هُوَ خُلْعًا ، وَالِاسْمُ الْخُلْعُ بِالضَّمِّ ، وَهُوَ اسْتِعَارَةٌ مِنْ خَلْعِ اللِّبَاسِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِبَاسٌ لِلْآخَرِ فَإِذَا فَعَلَا ذَلِكَ فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ نَزَعَ لِبَاسَهُ عَنْهُ كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ ، وَشَرْعًا عَلَى مَا اخْتَرْنَاهُ إزَالَةُ مِلْكِ النِّكَاحِ الْمُتَوَقِّفَةُ عَلَى قَبُولِهَا بِلَفْظِ الْخُلْعِ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ وَقَوْلِي هَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ بَعْضِ الشَّارِحِينَ أَخْذُهُ الْمَالَ بِإِزَالَةِ مِلْكِ النِّكَاحِ لِمُغَايَرَتِهِ الْمَفْهُومَ اللُّغَوِيَّ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ، وَالْأَصْلُ أَنْ يَتَّحِدَ جِنْسُ الْمَفْهُومَيْنِ ، وَيُزَادُ فِي الشَّرْعِيِّ قَيْدٌ لِإِخْرَاجِ اللُّغَوِيِّ ، وَلِأَنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ عَلَى مَالٍ ، وَلَيْسَ مُسَاوِيًا لَهُ فِي جَمِيعِ أَحْكَامِهِ لِاسْتِقْلَالِ حُكْمِ الْخُلْعِ بِإِسْقَاطِ الْحُقُوقِ ، وَإِنْ اشْتَرَكَا فِي الْبَيْنُونَةِ ، وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَيْضًا مَا إذَا عُرِّيَ عَنْ الْبَدَلِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ . وَقَوْلِي أَيْضًا أَوْلَى مِمَّا اخْتَارَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ أَنَّهُ إزَالَةُ مِلْكِ النِّكَاحِ بِبَدَلٍ بِلَفْظِ الْخُلْعِ لِأَنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ مَا إذَا قَالَ خَالَعْتكِ ، وَلَمْ يُسَمِّ شَيْئًا فَقَبِلَتْ فَإِنَّهُ خُلْعٌ مُسْقِطٌ لِلْحُقُوقِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ إلَّا أَنْ يُقَالَ مَهْرُهَا الَّذِي سَقَطَ بِهِ بَدَلٌ فَلَمْ يُعَرَّ عَنْ الْبَدَلِ فَإِنْ قُلْت لَوْ كَانَتْ قَبَضَتْ جَمِيعَ الْمَهْرِ مَا حُكْمُهُ قُلْت ذَكَرَ قَاضِي خَانْ أَنَّهَا تَرُدُّ عَلَيْهِ مَا سَاقَ إلَيْهَا مِنْ الصَّدَاقِ كَمَا ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْمُخْتَصَرِ وخواهر زاده ، وَأَخَذَ بِهِ ابْنُ الْفَضْلِ قَالَ الْقَاضِي ، وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْنَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْخُلْعَ لَا يَكُونُ إلَّا بِعِوَضٍ ا هـ . وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ آخِرَ الْبَابِ . وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِالْمُفَاعَلَةِ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ خَلَعْتُك نَاوِيًا وَقَعَ بَائِنًا غَيْرُ مُسْقِطٍ كَمَا سَيَأْتِي ، وَهُوَ خَارِجٌ عَنْ تَعْرِيفِنَا بِقَوْلِنَا الْمُتَوَقِّفَةُ عَلَى قَبُولِهَا لِعَدَمِ تَوَقُّفِهِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ ، وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَيْضًا مَا إذَا كَانَ بِلَفْظِ الْمُبَارَاةِ فَإِنَّهُ يَقَعُ بِهِ الْبَائِنُ ، وَتَسْقُطُ الْحُقُوقُ كَالْخُلْعِ بِلَفْظِهِ ، وَمَا إذَا كَانَ بِلَفْظِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فَإِنَّهُ خُلْعٌ مُسْقِطٌ لِلْحُقُوقِ عَلَى مَا صَحَّحَهُ فِي الصُّغْرَى ، وَإِنْ صَرَّحَ قَاضِي خَانْ بِخِلَافِهِ فَلِذَا زِدْنَا فِي تَعْرِيفِنَا أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ ، وَاسْتُفِيدَ مِنْ قَوْلِنَا إزَالَةُ مِلْكِ النِّكَاحِ أَنَّهُ لَوْ خَالَعَ الْمُطَلَّقَةَ رَجْعِيًّا بِمَالٍ فَإِنَّهُ يَصِحُّ ، وَيَجِبُ الْمَالُ ، وَلَوْ خَالَعَهَا بِمَالٍ ثُمَّ خَالَعَهَا فِي الْعِدَّةِ لَمْ يَصِحَّ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ ، وَلَكِنْ يَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ مَا إذَا خَالَعَهَا بَعْدَ الْخُلْعِ حَيْثُ لَمْ يَصِحَّ وَبَيْنَ مَا إذَا طَلَّقَهَا بِمَالٍ بَعْدَ الْخُلْعِ حَيْثُ يَقَعُ ، وَلَا يَجِبُ الْمَالُ ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي آخِرِ الْكِنَايَاتِ ، وَخَرَجَ الْخُلْعُ بَعْدَ الطَّلَاقِ الْبَائِنِ ، وَبَعْدَ الرِّدَّةِ فَإِنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ فِيهِمَا فَلَا يَسْقُطُ الْمَهْرُ ، وَيَبْقَى لَهُ بَعْدَ الْخُلْعِ وِلَايَةُ الْجَبْرِ عَلَى النِّكَاحِ فِي الرِّدَّةِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ .
شرح: 1
بَابُ الْخُلْعِ ) . تَرَكَ الْمُؤَلِّفُ مِنْ عِبَارَةِ الْمَتْنِ قَوْلَهُ هُوَ الْفَصْلُ مِنْ النِّكَاحِ ، وَلَعَلَّهُ سَاقِطٌ مِنْ نُسْخَتِهِ ( قَوْلُهُ وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَيْضًا ) أَيْ عَلَى مَا فِي الْفَتْحِ قَالَ فِي النَّهْرِ مَنْ تَأَمَّلَ قَوْلَهُ فِي الْفَتْحِ الطَّلَاقُ عَلَى مَا لَيْسَ هُوَ الْخُلْعُ بَلْ فِي حُكْمِهِ لَا مُطْلَقًا ، وَإِلَّا لَجَرَى فِيهِ الْخِلَافُ فِي أَنَّهُ فَسْخٌ ، وَفِي سُقُوطِ الْمَهْرِ عُلِمَ أَنَّ الْمُبَارَاةَ مِنْ أَلْفَاظِ الْخُلْعِ ، وَأَمَّا الْخُلْعُ بِلَفْظِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فَلَا يَرِدُ لِأَنَّهُ يَرَى مَا فِي الْخَانِيَّةِ . ا هـ . وَنَقَلَ فِي حَاشِيَةِ مِسْكِينٍ عَنْ شَيْخِهِ أَنَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ غَيْرُ مَوْجُودَةٍ فِي خَطِّ صَاحِبِ النَّهْرِ وَالْمَوْجُودُ فِيهِ وَأَقُولُ : لَا حَاجَةَ إلَى مَا زِيدَ إذْ الْمُبَارَاةُ لَيْسَتْ خُلْعًا بَلْ كَالْخُلْعِ فِي حُكْمِهِ عَلَى مَا سَتَعْرِفُهُ . ا هـ . ( قَوْلُهُ لَكِنْ يَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ إلَخْ ) أَقُولُ : الْفَرْقُ ظَاهِرٌ ، وَهُوَ أَنَّ الْخُلْعَ بَعْدَ الْخُلْعِ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّ الْبَائِنَ لَا يَلْحَقُ الْبَائِنَ أَمَّا الطَّلَاقُ بِمَالٍ بَعْدَ الْخُلْعِ إنَّمَا صَحُّ لِأَنَّهَا بِالْخُلْعِ بَانَتْ مِنْهُ ، وَالطَّلَاقُ بِمَالٍ لَا يُفِيدُ الْبَيْنُونَةَ لِحُصُولِهَا قَبْلَهُ ، وَالْمَالُ إنَّمَا يَلْزَمُ بِمُقَابَلَةِ مِلْكِهَا نَفْسَهَا فَإِذَا كَانَتْ مَالِكَةً نَفْسَهَا بِالْخُلْعِ لَمْ يَلْزَمْ الْمَالُ لِعَدَمِ مَا يَقْتَضِي لُزُومَهُ فَيَقَعُ بِالطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ فَقَطْ لِعَدَمِ لُزُومِ الْمَالِ ، وَالرَّجْعِيُّ يَلْحَقُ الْبَائِنَ بِخِلَافِ مَا إذَا طَلَّقَهَا بِمَالٍ ثُمَّ خَلَعَهَا فَإِنَّهُ يَلْزَمُ الْمَالُ ، وَلَا يَصِحُّ الْخُلْعُ لِأَنَّهَا بَانَتْ مِنْهُ بِالطَّلَاقِ